فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى} (القصص 20) وفي سورة يس: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (يس: 20) للسائل أن يسأل عن تأخير الفاعل عن المجرور في سورة يس ولم يأت متقدمًا يلي الفعل كما ورد في سورة القصص؟
والجواب عن ذلك، بعد تسليم أن وروده في سورة القصص متقدمًا فقيل: {وَجَاءَ رَجُلٌ} وارد فلى ما يجب، لأن مرتبة الفاعل التقديم، ولا يتأخر عن ولايته الفعل إلا لعارض من جهة اللفظ أو من جهة المعنى أو اتساعًا، وذلك غير الأولى أعني إذا كان تأخره لمجرد الاتساع. وإذا تقرر هذا فإنما السؤال عن وجه تأخره في سورة يس؟ ووجه ذلك- والله أعلم- أن تقديم المجرور الذي هو قوله: {مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ} مشيرًا إلى إحراز معنى جليل مطلع على حكم السوابق من بعد مسافة عن داعية إلى الهداية، فلم يضره بعد الدار وكفر من باشر الرسل وشافههم فلم ينتفع بقرب الدار، وذلك بحسب ما قدر لكل من المكلفين وسبق له، وحاصل الإخبار من هذه الآيات مثال لحال كفار قريش من أهل مكة، وحال الأنصار من أهل المدينة، حين جاء هؤلاء وآمنوا به صلى الله عليه وسلم مع بعد دراهم، وعاند عتاة قريش فكفروا مع لالتحام في النسب واتحاد الدار، ويوضح هذا أن السورة مكية، وإنما افتتحت بذكر قريش وهم المعنيون بقوله: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} (يس: 6) إلى ما بعد من الآيات، والإخبار بأن ذلك لا يجدي عليهم في قوله: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (يس: 10) فهذا الإخبار بحال كفار قريش، ثم قال تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} (يس: 11) أي من انقاد وأصغى إليك وإن بعدت داره وهذا حال الأنصار، ثم قال: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا} (يس: 13) أي الفريقين ممن كفر مع قرب داره ومن آمن مع بعد داره، وذكر تعالى أصحاب القرية وحالهم مع من أرسل إليهم، وأنهم أرسل إليهم اثنان ثم عززوا بثالث، فجاوبهم أصحاب القرية المخاطبون مجاوبة الرد والتكذيب فقالوا: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} (يس: 15) كما قالت قريش: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} (الفرقان: 7) ثم ذكر تعالى قول الرسل لأصحاب القرية: {قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (يس: 16- 17) وقول أصحاب القرية: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} (يس: 18). فلما ذكر سبحانه هذه المخاورة والمراجعة قال تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ} (يس: 20) أي ممن لم يحضر معهم ولا شاهد ما طال من مراجعتهم، فجاء بحسب ما سبق له من السعادة يقول: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (يس: 20) إلى ما أخبر تعالى من قوله، فمجيئه من أقصى المدينة مثال لمن بعد فلم يضره بعده، وذكره المراجعين للرسل من أصحاب القرية مثال لمن قرب وطالت مباشرته وشاهد الآيات فلم ينفعه قربه، فلما قصد في آية يس مثال من ذكر من الفريقين خصت من تقديم المجرور على الفاعل ما يحرز المعنى المقصود، فهو من قبيل ما قدم للاعتبار والتهمم، وقد تقدم في مواضع إنشاد سيبويه، رحمة الله عليه:
لتقربن قربًا جلزيا ** ما دام فيهن فصيل حيا

فلإحراز هذا المعنى قدم هذا المجرور وتأخر الفاعل.
أما آية القصص فلم يقصد فيها شيء من هذا فجاءت على ما يجب ما تقديم الفاعل، وتناسب هذا كله، ووضح أن كلًا من الموضوعين لا يناسبه ولا يلائمه غير الوارد فيه، والله أعلم بما أراد. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى}.
جاء إسرائيليٌّ من معارف موسى يسعى، وقال إن القوم يريدون قَتْلَكَ، وأنا واقفٌ على تدبيرهم، وقد أرادوا إعلامَ فرعون، فاخرُجْ من هذا البلد، إني لك من الناصحين.
{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)}.
خرج من مصر {خائفًا} أن يقتفوا أَثَرَه، {يَتَرَقَّبُ} أن يدركه الطلب، وقيل {يَتَرَقَّبُ} الكفايةَ والنصرةَ من الله، ودعا الله فقال: {نَجِّنِّى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)}.
توجَّه بنفسه تلقاء مدين من غير قصدٍ إلى مدين أو غيره، بل خرج على الفتوح، توجَّه بقلبه إلى ربِّه ينتظر أن يهديَه ربُّه إلى النحو الذي هو خيرٌ له، فقال: عسى ربي أن يهديني إلى أَرْشَدِ سبيلٍ لي.
{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ}.
لمَّا وافى مدينَ شعيب كان وقت الهاجرة، وكانت لهم بئر يستقون منها، فيصبون الماءَ في الحياضِ، ويسقون أغنامهم، وكانوا أهل ماشية.
وكان شعيبُ النبيُّ عليه السلام قد كُفَّ بَصَره لكثرة بكائه؛ ففي القصة أنه بكى فذهب بَصَرَه، ثم رَدَّ الله عليه بَصَرَه فبكى، فردَّ الله بصرة فبكى حتى ذهب بَصَرَهُ، فأوحى الله إليه: لِمَ تبكي يا شعيب..؟ إِنْ كان بكاؤك لخوف النار فقد أَمَّنْتُكَ، وإن كان لأَجْلِ الجنة فقد أَتَحْتُها لك.
فقال: ربِّ، إنما أبكي شوقًا إليك. فأوحى الله إليه لأجل ذلك أَخْدَمْتُكَ نَبِيِّي وكليمي عَشْرَ حجج.
وكانت لشعيب أغنامٌ، ولم يكن لديه أجير، فكانت بِنْتاه تسوقان الغنْمَ مكانَ الرعاة، ولم يكن لهما قدرة على استقاء الماء من البئر، وكان الرعاة يستقون، فإذا انقضَوْا فإنْ بَقِيَتْ في الحوضِ بقيةٌ من الماء استقت بنات شعيب.
فلمَّا وافى موسى ذلك اليومَ وشاهَدَ ذلك ورآهما يمنعان غنمهما عن الماء رَقَّ قلبُه لهما وقال: ما خطبكما؟ فقالتا: {لاَ نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}. وليس لدينا أجير. فلمَّا انصرف الرعاةُ سَقَى لهما، ثم ولّى إلى ظلِّ جدارٍ بعد ذلك. كان الجوع قد أصابه خلال سَفَرِه، ولم يكن قد تعوَّد، قط الرحلةَ والغُرْبةَ، ولم يكن معه مالٌ، فدعا الله: {فَقَالَ رَبِّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.
قيل طَلَبَ قوةً تُزِيل جوعَه، وقيل طَلَبَ حالًا يستقِلُّ بها. والأحسن أن يقال جاع فَطَلَبَ كِسْرَة يَسُدُّ بها رَمَقَه- والمعرفة توجِب سؤالَ ما تحتاج إليه من الله قليلًا أو كثيرًا. فلمَّا انصرفت ابنتا شعيب خَرَجَ شعيبُ إلى ظاهر الصحراء على طريق الماشية ليمسَّها بيديه فوجَدَ أثرَ الزيادة في تلك الكَرَّة، فسأَلَهما فَذَكَرَتا له القصة، وما سمعتا منه حين قال: {رَبِّ إِنِّى لِمَآ َأنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} فقال شعيب: إذًا هو جائع. وبَعَثَ إحداهما لتدعوَه. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {إن فرعون} النفس الأمارة استولى على من في الأرض الإنسانية {وجعل أهلها} وهم الروح والسر والعقل أصنافًا في الاستخدام لاستيفاء الشهوات {يستضعف طائفة} وهم صفات القلب، الأبناء الصفات الحميدة المتولدة من ازدواج الروح والقلب، والنساء الصفات الذميمة المتولدة من ازدواج النفس والبدن {إنه كان من المفسدين} للاستعداد الفطري. {ونرى فرعون} النفس {وهامان} الهوى {وجنودهما} من الصفات البهيمية والسبعية ولاشيطانية {أم موسى} السر لأن القلب تولد من ازدواج الروح والسر {أن أرضعيه} من لبن الروحانية فقد حرم عليه مراضع الحيوانية أو الدنيوية. {فألقيه في اليم} في الدنيا في تابوت القالب {وجاعلوه من المرسلين} أي من القلوب المحدّثين كما قال بعضهم: حدثني قلبي عن ربي {فالتقطه آل فرعون} وهم صفات النفس والقوى البشرية من الجاذبة والماسكة والهاضمة وغيرها فإنها أسباب لتربية الطفل {ليكون لهم} في العاقبة {عدوًّا} يجادلهم بطريق الرياضات والمخالفات. {وحزنًا} بترك اللشهوات واللذات وبالدعوة إلى ما لا يلائم هواهم من طاعة الله. {وقالت امرأة فرعون} النفس وهي الجثة لا تقتلوا القلب بسيف الشهوات والانهماك في اسباب اللذات الحسيات. {عسى أن ينفعنا} بأن ينجينا من النار. قال أهل التحقيق: لما كان اعتقاد الجثة في تربية موسى القلب أنه يكون قرة عينها وولدها فلا جرم نفعها الله بالنجاة ورفع الدرجات، وحين لم يكن لفرعون النفس في حقه هذا الاعتقاد بل كان يتوقع الهلاك منه كان هلاكه على يده بسيف الصدق وسم الذكر. {وهم لا يشعرون} أنه لو لم يوفق لإهلاكهم لكان هلاكه على أيديهم. {فؤاد أم موسى} هو سر السر، أخت موسى القلب هو العقل.
ودخل مدينة القالب {على حين غفلة من أهلها} وهم الصفات النفسانية {فوجد فيها رجلين} صفتين. إحداهما من صفات القلب والأخرى من صفات النفس. وفي قوله: {هذا من عمل الشيطان} إشارة إلى أن قتل كافر صفات النفس بالجهاد معها إن لم يكن بأمر الحق وعلى سبيل المتابعة لم يعتدّ به {فلن أكون ظهيرًا للمجرمين} الذين أجرموا بأن جاهدوا كفار صفات النفس بالطبع والهوى لا بالشرع كالفلاسفة والبراهمة {إنك لغويّ مبين} لآنك تنازع ذا سلطان قويّ قبل أوانه وهو فرعون النفس. {وجاء رجل} هو العقل {من أقصى} مدينة الإنسانية أي من أعلى مرتبة الروحانية {يسعى} في طلب نجاة موسى القلب فأخرج من مدينة البشرية إلى صحراء الروحانية {خائفًا} من سطوات فرعون النفس {يترقب} مكايدهم. اهـ.

.تفسير الآيات (25- 28):

قوله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان سماعهما لقوله هذا مع إحسانه إليهما سببًا لدعاء شعيب عليه الصلاة والسلام له، قال بانيًا على ما تقديره: فذهبت المرأتان إلى أبيهما فحدثتاه بخبرهما وبإحسانه إليهما، فأمر بدعائه ليكافئه: {فجاءته} أي بسبب قول الأب وعلى الفور {إحداهما} أي المرأتين حال كونها {تمشي} ولما كان الحياء كأنه مركب لها وهي متمكنة منه، مالكة لزمامه، عبر بأداة الاستعلاء فقال: {على استحياء} أي حياء موجود منها لأنها كلفت الإتيان إلى رجل أجنبي تكلمه وتماشيه؛ ثم استأنف الإخبار عما تشوف إليه السامع من أمرها فقال: {قالت} وأكدت إعلامًا بما لأبيها من الرغبة إلى لقائه في قولها: {إن أبي} وصورت حاله بالمضارع فقالت: {يدعوك ليجزيك} أي يعطيك مكافأة لك، لأن المكافأة من شيم الكرام، وقبولها لا غضاضة فيه {أجر ما سقيت لنا} أي مواشينا، فأسرع الإجابة لما بينهما من الملاءمة، ولذلك قال: {فلما} بالفاء {جاءه} أي موسى شعيبًا عليهما الصلاة والسلام {وقص} أي موسى عليه الصلاة والسلام {عليه} أي شعيب عليه الصلاة والسلام {القصص} أي حدثه حديثه مع فرعون وآله في كفرهم وطغيانهم وإذلالهم لعباد الله، وتتبع له الأمور على ما هي عليه لما توسم فيه بما آتاه اله من الحكم والعلم من النصيحة والشفقة، والعلم والحكمة، والجلال والعظمة.